الجمعة 17 أكتوبر 2025 10:33:34
لم تعد "الطبطبة" مجرّد رفاهية أو ترف في واقعنا المزدحم بالضغوط، بل أصبحت حقًّا أساسيًا لا يقل أهمية عن الغذاء والنوم، يشير الأطباء النفسيون إلى أهمية ما يُسمّى "التعاطف مع الذات"، أي أن تتعاملي مع نفسك بلطف وتفهّم، كما تتعاملين مع طفلك، بدلًا من جلد الذات المستمر وإرهاق النفس بالنقد واللوم.
النساء أكثر اكتئابًا
تشير دراسات عديدة منشورة في مجلات الطب النفسي إلى أن النساء أكثر عُرضة للاكتئاب، ليس فقط بسبب تغيّر الهرمونات، بل نتيجة الضغوط التي تُمارَس عليهن للوصول إلى الكمال كزوجات وأمهات وعاملات، وحتى بسبب مقاييس الجمال التي يفرضها المجتمع.
وأكدت الدراسات أن النساء اللواتي يمارسن التعاطف مع أنفسهن تقل لديهن معدلات الاكتئاب والقلق بشكل ملحوظ، وتزداد مرونتهن النفسية في مواجهة ضغوط الحياة، فهل جربتِ، عزيزتي المرأة، أن تحتفي بنفسك وتكافئيها كما تكافئين أطفالك على نجاحاتهم الصغيرة؟
امتلكي مفتاح سعادتك
ثقافة اهتمام المرأة بنفسها في مجتمعنا كثيرًا ما تنحصر في شراء ملابس جديدة أو زيارة الكوافير لتغيير لون الشعر، لكن الاهتمام الحقيقي يبدأ من الصحة النفسية، لا من المظاهر الخارجية فقط، فالكثير من النساء يبقين مرهقات يبحثن عن الاهتمام والتقدير من الآخرين بالاستعطاف تارة، وبالغضب أو الخلافات تارة أخرى، وقد يصل الأمر إلى الاكتئاب.
طرحتُ هذا التساؤل على الدكتورة هبة الطماوي، أخصائي الإرشاد النفسي والتربوي والعلاقات الأسرية، فقالت: "في زمنٍ أصبحت فيه المقارنات جزءًا من الحياة اليومية، باتت المرأة محاصَرة بمفهومٍ مشوَّه للكمال؛ كمال الشكل والدور والأداء في كل جانب من حياتها، لكن الحقيقة أن الكمال الإنساني غير موجود، والسعي وراء صورة مثالية مرسومة في أذهاننا أو على شاشات الآخرين لا ينتج عنه سوى الإحباط والتعب النفسي والشعور الدائم بعدم الكفاية."
وهم الكمال المرهق
تضيف د. الطماوي، الكمال المطلق لا يملكه إلا الله، أما الإنسان، فجوهر جماله في نقصه وتطوّره وتقبّله لضعفه، حين تدرك المرأة أن قيمتها ليست في كونها (كاملة)، بل في كونها (حقيقية) و(تحاول رغم كل الظروف)، تتحرر من ضغط المقارنة وتبدأ رحلة السلام الداخلي.
التصالح مع فكرة النقص لا يعني الاستسلام، بل هو النضج الإنساني الحقيقي، لأن كل ضعف نمر به هو دعوة للتعلّم والنمو، لا سببًا للشعور بالذنب أو التقصير.
وتتابع، المرأة التي تتقبل حدودها وتسامح نفسها على أخطائها تصبح أكثر طمأنينة وثقة، لأن قوتها لم تعد مشروطة بالكمال، بل قائمة على وعيها بذاتها الحقيقية، عندها فقط تبدأ في صناعة سعادتها من الداخل، لا من انتظار تصفيق الخارج.
روشتة لدعم نفسك
قدّمت د. هبة مجموعة خطوات بسيطة تساعد كل امرأة على دعم ذاتها واستعادة طاقتها الإيجابية:
- اختاري نفسك بوعي.
- ليس من الأنانية أن تختاري نفسك، بل هو فعل نجاة، فكل مرة تقولين فيها: "سأفعل ذلك من أجلي"، تستردين جزءًا من طاقتك التي استُنزفت.
- احرصي على طقسٍ يومي يمنحك الراحة.
- كوب قهوة في هدوء، نزهة قصيرة، موسيقى مفضلة، أو شمعة ذات رائحة محببة.
- تفاصيل صغيرة قد تُحدث فارقًا كبيرًا في حالتك النفسية.
- تحدثي إلى نفسك بلطف، بدلاً من قول: "لقد فشلت"، قولي: "لقد حاولت وسأستمر"، فالعقل يتأثر بما يسمع، فاجعليه يسمع ما يقوّيه لا ما يُضعفه.
- دلّلي نفسك بلا شعور بالذنب.
- اشتري لنفسك هدية صغيرة، أو امنحيها يوم راحة دون مبررات، فالسعادة ليست مكافأة، بل وقود للاستمرار.
- تقبّلي ضعفك بسلام، فلا يجب أن تكوني قوية طوال الوقت، فالقوة الحقيقية في وعيك بحدودك، وفي السماح لنفسك بالراحة عندما تحتاجين إليها.
- ضعي حدودًا تحميك، فليس كل طلب يستحق التنفيذ، ولا كل نقد يجب أن يصل إلى قلبك، وهناك فرق واضح بين الطيبة والاستنزاف.
- اكتبي لنفسك رسائل حب وتشجيع، اكتبي: "أنا فخورة بنفسي"، "أنا أستحق أن أُعامل بحنان"، واحتفظي بها لتعودي إليها كلما فقدتِ توازنك.
فالمرأة التي تُجيد الطبطبة على نفسها، تُجيد أيضًا فن البقاء بخفة وقوة ورضا، إنها تعرف أن العطاء الحقيقي يبدأ من الداخل، من قلبٍ يُحب نفسه بصدق، ويعرف أن السعادة قرارٌ يومي، تُصنع باللطف لا بالكمال.